سورة محمد - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} استئناف أي أمرهم {طَاعَةٌ} أو {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} خير لهم، أو حكاية قولهم لقراءة أُبيّ {يقولون طاعة}. {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} أي جد وهو لأصحاب الأمر، وإسناده إليه مجاز وعامل الظرف محذوف، وقيل: {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإِيمان. {لَكَانَ} الصدق. {خَيْراً لَّهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ} فهل يتوقع منكم. {إِن تَوَلَّيْتُمْ} أمور الناس وتأمرتم عليهم، أو اعرضتم وتوليتم عن الإِسلام. {أَن تُفْسِدُواْ فِى الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} تناحراً على الولاية وتجاذباً لها، أو رجوعاً إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم: هل عسيتم، وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لا يلحقون الضمير به وخبره {أَن تُفْسِدُواْ} و{إِن تَوَلَّيْتُمْ} اعتراض، وعن يعقوب {تَوَلَّيْتُمْ} أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإِفساد وقطيعة الرحم {وَتُقَطّعُواْ} من القطع، وقرئ: {تقطعوا} من التقطع.


{أولئك} إشارة إلى المذكورين. {الذين لَعَنَهُمُ الله} لإِفسادهم وقطعهم الأرحام. {فَأَصَمَّهُمْ} عن استماع الحق. {وأعمى أبصارهم} فلا يهتدون سبيله.
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي. {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر، وقيل: {أَمْ} منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير، وتنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو للإِشعار بأنها لإِبهام أمرها في القساوة، أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة. وقرئ: {إقفالها} على المصدر.
{إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم} أي ما كانوا عليه من الكفر. {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة. {الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء. وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني، وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واواً لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل، ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرئ: {سَوَّلَ} على تقدير مضاف أي كيد الشيطان {سَوَّلَ لَهُمْ}. {وأملى لَهُمْ} ومد لهم في الآمال والأماني، أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب {وَأمْلِي لَهُمْ}، أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف، وقرأ أبو عمرو {وَأمْلِي لَهُمْ} على البناء للمفعول وهو ضمير {الشيطان} أو {لَهُمْ}.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله} أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما تبين لهم نعته للمنافقين، أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين. {سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمر} في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا، والتظافر على الرسول صلى الله عليه وسلم. {والله يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ} ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم، وقرأ حمزة والكسائي وحفص {إِسْرَارَهُمْ}على المصدر.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} فكيف يعملون ويحتالون حينئذ، وقرئ: {توفاهم} وهو يحتمل الماضي والمضارع المحذوف إحدى تاءيه. {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له.
{ذلك} إشارة إلى التوفي الموصوف. {بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} من الكفر ككتمان نعت الرسول عليه الصلاة والسلام وعصيان الأمر. {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} ما يرضاه من الإِيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات. {فَأَحْبَطَ أعمالهم} لذلك.
{أَمْ حَسِبَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن يُخْرِجَ الله} أن لن يبرز الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. {أضغانهم} أَحقادهم.
{وَلَوْ نَشَاءُ لأريناكهم} لعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم. {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} بعلاماتهم التي نسمهم بها، واللام لام الجواب كررت في المعطوف. {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ القول} جواب قسم محذوف و{لَحْنِ القول} أسلوبه، أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية، ومنه قيل للمخطئ لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. {والله يَعْلَمُ أعمالكم} فيجازيكم على حساب قصدكم إذ الأعمال بالنيات.


{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} بالأمر بالجهاد وسائر التكاليف الشاقة. {حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} على مشاقه. {وَنَبْلُوَ أخباركم} ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها وقبحها، أو أخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها. وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة بالياء لتوافق ما قبلها، وعن يعقوب {وَنَبْلُوَ} بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله وَشَاقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} هم قريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر. {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} بكفرهم وصدهم، أو لن يضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته. {وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} ثواب حسنات أعمالهم بذلك، أو مكايدهم التي نصبوها في مشاقته فلا يصلون بها إلى مقاصدهم ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} بما أبطل به هؤلاء كالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها، وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} عام في كل من مات على كفره وإن صح نزوله في أصحاب القليب، ويدل بمفهومه على أنه قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه.
{فَلاَ تَهِنُواْ} فلا تضعفوا. {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} ولا تدعوا إلى الصلح خوراً وتذللاً، ويجوز نصبه بإضمار إن وقرئ: {ولا تدعوا} من ادعى بمعنى دعا، وقرى أبو بكر وحمزة بكسر السين. {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} الأغلبون. {والله مَعَكُمْ} ناصركم. {وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم} ولن يضيع أعمالكم، من وترت الرجل إذا قتلت متعلقاً به من قريب أو حميم فأفردته منه من الوتر، شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه.
{إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لإثبات لها. {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} ثواب إيمانكم وتقواكم. {وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} جميع أموالكم بل يقتصر على جزء يسير كربع العشر والعشر.
{إِنْ يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} فيجهدكم بطلب الكل والإِحفاء والإِلحاف المبالغة وبلوغ الغاية يقال: أحفى شاربه إذ استأصله. {تَبْخَلُواْ} فلا تعطوا. {وَيُخْرِجْ أضغانكم} ويضغنكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والضمير في يخرج لله تعالى، ويؤيده القراءة بالنون أو البخل لأنه سبب الإِضغان، وقرئ: {وتخرج} بالتاء والياء ورفع {أضغانكم}.
{هَا أَنتُمْ هؤلاء} أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون وقوله: {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ الله} استئناف مقرر لذلك، أو صلة ل {هَؤُلاء} على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرهما. {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} ناس يبخلون وهو كالدليل على الآية المتقدمة.
{وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه، والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإِمساك والتعدي فإنه إمساك عن مستحق. {والله الغنى وَأَنتُمُ الفقراء} فما يأمركم به فهو لاحتياجكم إليه فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم. {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عطف على {إِن تُؤْمِنُواْ}. {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} يقم مقامكم قوماً آخرين. {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في التولي والزهد في الإِيمان، وهم الفرس لأنه سئل عليه الصلاة والسلام عنه وكان سلمان إلى جنبه فضرب فخذه وقال: «هذا وقومه» أو الأنصار أو اليمن أو الملائكة. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة محمد كان حقاً على الله أن يسقيه من أنهار الجنة».

1 | 2